نبض الخليج: أحمد الشيبة النعيمي

الصلح بين الإخوة فريضة وواجب شرعي، وضرورة وطنية، وحاجة سياسية واقتصادية واجتماعية وعرفية ، وسلاح دفاعي في مواجهة محاولات الأعداء اختراق الصف الداخلي للأمة.

ولا يخفى على عاقل حصيف من خلال قراءة الواقع والاطلاع على تجارب التاريخ كيف كان التنازع والتفرق سبباً لوهن الصف الداخلي وذهاب الصيت، ولجوء بعض الانظمة إلى الخيانة والتطبيع السري والعلني مع الصهاينة، وتبرير هذه الخيانة في مواجهة إخوة الداخل، والتسابق على كسب ود الأعداء في مواجهة بعضنا بعضاً.

تأتي أهمية الحديث عن المصالحة الخليجية الداخلية بعد انقطاع، وقد شاهد الجميع كيف وصلت الخصومات العربية إلى ظهور نسخة خبيثة من التطبيع تجاهر بفاحشة الخيانة، وتجاهر بالدعوة إلى الاصطفاف مع الصهاينة في مواجهة دول عربية وإسلامية، وفي مواجهة تيار المشروع الحضاري العربي والإسلامي، فقد جاءت المصالحة في الوقت الذي بلغت فيه الخلافات البينية ذروتها، وبلغت الهرولة نحو التطبيع مع الأعداء ذروة الفجور في الخيانة، بعد أن تحولت الهرولة من تطبيع إلى تخندق في خنادق أعداء الأمة وتعاون مريب للتجسس والتغلغل في النسيج العربي، وتهيئة الأجواء للاختراقات التي تهدد كل مقومات الأمن القومي العربي، وترسخ التفوق الصهيوني والتبعية العربية المباشرة لهذا الكيان الغاصب والمحتل، وبعد أن وجدنا أنظمة العربية تساوم أنظمة عربية أخرى على رفعها من قائمة الإرهاب المسيسة مقابل التطبيع، وتساوم أنظمة أخرى على وحدتها الترابية وخريطتها الجغرافية، وتضغط على أنظمة أخرى بسجلها الأسود في انتهاكات حقوق الإنسان.

وبدلاً من أن نشاهد تطبيع العلاقات العربية العربية؛ بين الجزائر والمغرب ومصر والسودان مثلاً، وبين دول الخليج، شاهدنا من يستخدم التطبيع مع الأعداء خنجراً مسموماً لتمزيق عرا الوحدة الداخلية وتفكيك العلاقات العربية العربية، والتحريض على الفتنة الداخلية والانقلابات العسكرية، ومساندة المشاريع الانفصالية المشبوهة، وكل ذلك لم يحدث إلا في غياب وحدة الموقف العربي والخليجي، وانفراد الذئب بكل شاة قصية على حدة، وخيانة بعض الرعاة لقضايا الأمة مقابل مصالح مشبوهة، وما أحوج الأمة اليوم إلى مصالحة حقيقية تغلَّب فيها المصلحة العامة للشعوب والدول على مصالح الأفراد والحاكمين، لأن وظيفة الحاكم استخدام قدراته في خدمة مصلحة الأمة، لا استخدام قدرات الأمة في خدمة مصالحه مقابل خيانة قضايا الأمة.

الأمة اليوم بحاجة إلى العقول والكفاءات التي ترزح في السجون بدون ذنب، والتشاور حول الأخطار التي تحيط بدولنا وشعوبنا  من كل جانب، ومعالجة الأخطاء ضمن موقف عربي وإسلامي موحد يحافظ على هيبة العالم العربي والإسلامي بعد أن أوصلته سياسات التطبيع إلى ذروة الهوان والانحطاط، والأمة بحاجة إلى اصطفاف المكونات الشعبية الحية بعضها مع بعض، ووقف سياسة التحريض على التيارات الفاعلة في الشارع العربي والإسلامي، والتصالح مع هذه التيارات لتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية تعمل على ترسيخ دول الحق والقانون، وإيقاف انتهاكات حقوق الإنسان العربي، وبناء أنظمة تعمل على حماية كرامة المواطن العربي وتحقيق طموحاته وتعزيز المواطنة والمشاركة الشعبية ومعالجة الاحتقانات الداخلية، وتضافر جهود الجميع في عميلة البناء والتنمية.

إن أهم ضمانات تحقيق المصالحة الحقيقية واستمرارها هو الحرص على أن تكون هذه المصالحة مصالحة حقيقية هادفة إلى خدمة قضايا الأمة، ولا تكون مجرد تكتيكات قصيرة المدى لمواجهة بعض التغيرات السياسية هنا أو هناك، وأخطر ما يهدد هذه المصالحة محاولة استخدامها في مواجهة حركة الشارع العربي المطالب بالإصلاح والتغيير، ومواجهة التيارات العربية الفاعلة التي تشكل جدار المناعة الداخلي لهذه الأمة، وروح مشروعها الحضاري، وسرّ قوتها المعنوية والروحية، لاستنهاض طاقاتها الخلاقة والحيوية للبناء ومواجهة التحديات.