قوم عادٍ اشتهروا بقوّة أجسامهم، وعظَيم عمرانهم، حتى وصل بهم غرورهم زعموا أنّه لن يقدر عليهم أحدٌ، قائلين: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، فكان ردّ الله سبحانة وتعالى عليهم من حيث لم يحتسبوا؛ فأرسل عليهم الهواء ريحاً مسلّطاً، فأهلكهم فلم يستطيعوا الحراك، قال الله تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ*فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)، وقد وصف الله -تعالى- الرّيح في آيةٍ أخرى أنّها ريحٌ صرصرٌ؛ أيّ شديدة البرودة، وقويّة جدّاً حين هبّت، فكانت هذه الرّيح تحمل أحدهم إلى السّماء، ثمّ تهوي به إلى الأرض فتكسر رأسه، ثمّ يدخل الهواء إلى جوفه، فصاروا كما وصف الله تعالى: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ*فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)؛ أي لم يبقَ منهم أحدٌ إلّا هلك بهذا، وهذا دليلٌ على قدرة الله تعالى، وإحاطته بالظالم، أن جعل عقوبتهم من جنس عملهم، فقد كانوا يرون أنّهم أعظم قوّة على وجه الأرض، تمنعهم قوّتهم من الله تعالى، فأراهم الله قدرته وقوّته بأبسط مخلوقاته وهو الهواء
استجاب الله عز وجل لدعاء نبيه هود، وأوحى له أن سينزل العقاب بهم وسيجعلهم كزبد البحر متناثرين لا وجود حقيقي لهم (ذكر ذلك في سورة المؤمنون في الآيتين (40-41)) وتوعدهم بعذاب شديد في الدنيا وفي الآخرة ليذيقهم الخزي بعد التجبر والكبر، فأمسك الله عنهم المطر وجعل أرضهم في قحط وجفاف، فجلسوا يطلبون من آلهتهم المطر، فأرسل الله لهم عذابه الشديد، فاعتقدوا في البداية أن السحاب والريح القادمين إلى مملتكهم هي استجابة أصنامهم لدعائهم، لكنها كانت المفاجأة؛ عذاب الله قد سقط فوق رؤوسهم، عذاب الله الذي طلبوه من هود عليه السلام واستعجلوه به ليكون دليلا على صدق قوله ودعوته. جاءتهم الريح القوية الشديدة العاصفة والباردة التي لا تحمل أي خير في ثناياها (وقد استخدم الله في القرآن كلمة الريح للدمار والرياح للخير) لتستمر طوال سبع ليال وثمانية أيام على التوالي (أيام الحسوم لأنها حسمت أمر قوم بكاملهم وجعلتهم غثاء)، فدمرت الريح كل شيء في المدينة وجعلته رميما، ولم يبق إلا بيوتهم ومساكنهم ذات الأعمدة لتكون شاهدة على وجودهم بعد موتهم. كانت الريح ترفع أفراد القوم العمالقة الأشداء في السماء ثم ترميهم على الأرض كأصول النخل (فقط الساق دون الأوراق أو فروع، كناية عن قطع رؤوسهم) الخاوية والمنقعرة (أي ساق النخيل التي تم نزعها من الأرض فتترك في الساق حفرة لها قعر، كناية عن قطع رؤوسهم وإخراج أحشائهم)، ثم تقع على الأرض جوفاء بالية، فحسرتهم فلم تبق منهم أحدا. وكم هو وصف دقيق لهذا العذاب الشديد، تخيلوا معي؛ ريح قوية وشديدة ترفع أجسادا بشرية عملاقة وقوية في السماء، تتباعد أيديهم وأرجلهم عن بعضها لطيرانهم في الهواء وفي محاولة بائسة منهم للنجاة مما هم فيه، فترفعهم، ثم ترطمهم بالأرض مراراً، وتدخل من أفواههم إلى أجوافهم فتنزع أحشاءهم وأعضاء بقوتها وبردها لمدة سبع ليال وثمانية أيام، حتى أصبحوا جثثا محطمة وخاوية وفارغة؛ بغير أدمغة ولا أمعاء ولا دماء ولا رؤوس ولا أيدٍ لكثرة ارتطامهم بالأرض وقوة الريح وبرودتها. (تم ذكر آيات هلاك قوم عاد في المواضع الآتية: سورة الحاقة (6-8)، وسورة الذاريات (41-42)، وسورة القمر (19-21)، وسورة فصلت (16)، وسورة الأعراف (72)، وسورة هود (58)، وسورة الأحقاف (24-25)). وقد نجى الله هوداً عليه السلام ومن آمن به وبالله من القوم برحمته وقوته من العذاب الشديد الذي لا يقدر عليه أحد مهما بلغت قوته وشدته وجبروته، فجبروت الله أقوى، فهو الجبار القهار (وقد تم ذكر ذلك في سورة الأعراف (72) وسورة هود (58).