مساومة التطبيع حاضرة بقوة، فلأول مرة يدخل عام جديد من دون أن تنجز حكومة السودان الموازنة المالية الخاصة بالدولة، التي بحسب خبراء كانت في انتظار زيارات لمسؤولين الولايات المتحدة الامريكية، والتي بدأت الأربعاء بزيارة وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، وتنتهي اليوم الخميس بزيارة رئيس بنك التصدير والاستيراد الأميركي كيمبرلي ريد.

يجد ذكرة أن وزيرة المالية السودانية هبة محمد علي ووزير الخزانة الأميركي وقعا أمس الأربعاء مذكرة تفاهم لتصفية متأخرات حكومة السودان للبنك الدولي، وتمكين حكومةالسودان من الحصول على ما يفوق مليار دولار سنويا.

وبحسب وزارة المالية السودانية- يكفل توفير تسهيلات تمويلية لسداد متأخرات حكومة السودان للبنك الدولي، وبالتالي حصوله على ما يزيد على مليار دولار سنويا كقروض ميسرة، فإن خبراء يتخوفون من تبعاته ونتائجه المستقبلية على السودان.

يقول الخبير الاقتصادي وائل فهمي أن مذكرة التفاهم بين حكومة السودان والولايات المتحدة الامريكية تسهل التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، وهذا بالطبع يتطلب التزام حكومة السودان بحزمة شروط البنك الدولي بتحرير السلع والخدمات وتعويم العملة الوطنية “الجنيه”.

ويضيف الخبير الاقتصادي إلى أن “القرض التجسيري” الوارد في الاتفاق بين وزارتي المالية السودانية والخزانة الأميركية، والبالغ أكثر من مليار دولار، لن يدخل في موازنة عالعام الجاري 2021، بل سيذهب مباشرة لسداد متأخرات السودان للبنك الدولي.

ويشير الخبير أن القرض التجسيري هو ببساطة تحويل دين البنك الدولي للحكومة الولايات المتحدة الامريكية، ولا يعني إلغاء الدين الذي ستتحمل سداده خزينة السودان مستقبلا.

ويقول أن القرض الجسري أو التجسيري عبارة عن قرض مؤقت يسمح للمقترض بتلبية التزامات ملحة بتوفير التدفق النقدي، وتعمل هذه القروض على “تجسير الفجوة” الزمنية المقترنة بالحاجة إلى التمويل.

ويضيف فهمي سيسدد القرض الأميركي متأخرات السودان لمجموعة البنك الدولي، وبالتالي يسهل على الخرطوم الحصول على قروض تنموية ميسرة.

وقالت سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالخرطوم في تغريدة على على حسابها الرسمي “تويتر” أن السودان وقّع مع الولايات المتحدةالامريكية اليوم الأربعاء “اتفاقات أبراهام”، التي وافقت بموجبها الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

وذكر فهمي أن مسألة تحرير السودان من البنك الدولي غطاء وتمثيلية في تقديره، لأن القرض التجسيري ربما تطالب الولايات المتحدة الامريكية بسداده عبر الذهب أو النفط.

ويقول عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير عصام علي حسين أن الاتفاق الموقع بين السودان والخزانة الأميركية ضمن حزمة كاملة مع البنك الدولي تتضمن رفع الدعم حتى عن التعليم والصحة وقطاعات اخرى.

ويضيف إن ثمة برنامجا متكاملا لصندوق النقد الدولي في طريقه للإنفاذ في السودان، ربما يقوي التكهنات بسريان موازنة سرية تعتمد تعويم الجنيه، ليصل سعر صرفه مقابل الدولار إلى 260 جنيها بدل 55 جنيها المثبتة في الموازنة المعلنة.

ويضيف أن السودان غير محتاج للقرض الأميركي مقابل تطبيق سياسات أثبتت فشلها منذ سبعينيات القرن الماضي، فضلا عن عدم وجود ضمانات التزام الدفع، كما حدث في مؤتمر المانحين بأوسلو 2005 باعتماد 11 مليار دولار لم يتلق منها السودان سوى 633 مليون دولار.

ورغم أن الخبير الاقتصادي وائل فهمي يشير إلى 700 مليون دولار دعمت بها الولايات المتحدة الامريكية موازنة السودان بشكل مباشر، فإنه يتوقع تحرير السلع والخدمات للالتزام بشروط البنك الدولي، الذي سيتلقى مليار دولار من واشنطن لفك حصاره على السودان.

ويقول أن تجنب رفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات لن يكون إلا بمحاولة الحكومة إقناع البنك الدولي بمعالجات أخرى، وهو أمر مستبعد؛ لأن وصفة البنك الدولي واضحة في هذا الصدد لضمان استرداد قروضه.

وخلال عام 2020، حررت الحكومة السودانية المحروقات، فضلا عن السماح للمخابز بإنتاج خبز تجاري غير مدعوم، ورفع تعرفة الكهرباء بنسبة 500% وغاز الطهي بنسبة 200%.

ويستبعد فهمي إقدام الحكومة في الموازنة الجديدة على تعويم الجنيه، لأن الموازنة ثبتت الدولار الجمركي وسعر صرف الدولار؛ مما يعني وجود تحكم كبير.

ويفيد بأن إجازة الموازنة تأخر انتظارا لزيارة وزير الخزانة الأميركي، ورئيس بنك التصدير والاستيراد الأميركي الذي زار الخرطوم اليوم الخميس.

ويتوقع فهمي أن تكون نتائج عدم الاستقرار الاقتصادي حاضرة في العام الحالي 2021م، لأن هياكل الموازنة الجديدة فيما يتعلق بالإيرادات والمصروفات هي ذاتها في الموازنات السابقة إبان حقبة الرئيس المعزول عمر البشير.

وينبه إلى أن موازنة العام الحالي 2021 -ووفقا للمسودة التي اطلع عليها- جاءت كموازنة حرب بزيادة الصرف على قطاعي الدفاع والأمن.

ويتابع “مثلا تم رفع ميزانية وزارة الدفاع بنسبة 173%، في حين تم تقليص ميزانية التعليم بنسبة 58%”.

لكن وائل فهمي يعود ويقول إن الموازنة الجديدة لأول مرة تحقق فائضا بنحو 3 مليارات دولار.

واستهدفت الموازنة سعر صرف للدولار 55 جنيها، ويكون سعر الدولار الجمركي عند 15 جنيها، ومعدل نمو 1%، وتضخم في حاجز الرقمين 95%، وهو ما يستبعده فهمي في ظل انفلات التضخم، الذي سجل في نوفمبر/تشرين الثاني 254.23%.

يذكر أن وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وقعت مذكرة تفاهم مع بنك التصدير والاستيراد الأميركي (أكسيم) لدعم تمويل الصادرات واستثمارات الولايات المتحدة الأميركية بالسودان بقيمة مليار دولار.

ونصت مذكرة التفاهم على أن يتم التوافق بين الجانبين على تحديد المشاريع التي ستموّل عبر البنك في مجالات البنى التحتية والزراعة والطاقة والتعدين والاتصالات والرعاية الطبية.

المصدر: الجزيرة نت