مع حاجة الحكومة السورية إلى الحفاظ على شرعيتها وسط التحديات الاقتصادية المتزايدة، قد لا تجد خيارا سوى الاستفادة من شريان الحياة الإنساني القادم من الإمارات. لكن بالتودد إلى منافس لحليفها الرئيسي إيران، قد تجد دمشق نفسها واقعة في معركة على النفوذ بين أبوظبي وطهران.

ويمر الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب بأزمة طاحنة تفاقمت مع جائحة “كوفيد-19” وانهيار اقتصاد لبنان، الشريك التجاري الرئيسي، ونقص مساعدات إعادة الإعمار لاستعادة البنية التحتية التي دمرتها الحرب.

وفي 15 أبريل/نيسان الجاري، خفض النظام السوري قيمة الليرة في محاولة لدعم العملة المحاصرة بعد يومين فقط من إقالة رئيس البنك المركزي في البلاد. وفي غضون ذلك، أدت القيود المفروضة على مزود النفط الأساسي، إيران، إلى تفاقم أزمة الوقود في سوريا منذ فترة طويلة.

وتزامن إغلاق قناة السويس في أواخر مارس/آذار مع إطلاق حملة إسرائيلية أكثر عدوانية لاعتراض إمدادات النفط إلى سوريا.

ومع نقص الإمدادات، أرسلت الإمارات طائرة محملة بالأغذية والأدوية إلى سوريا في 8 أبريل/نيسان الجاري من خلال مؤسسة الهلال الأحمر، المعفاة من العقوبات الدولية الشديدة المفروضة على التجارة السورية. ويبدو أن هذه الخطوة جزء من محاولة لبناء نفوذ إماراتي في سوريا، بعد إعادة فتح سفارة الإمارات في دمشق عام 2018.

وأثارت أزمة الوقود في سوريا احتجاجات متكررة حتى في المناطق الموالية للنظام، وقد كافحت دمشق للتخفيف منها.

وفي محاولة للعثور على أموال للإنفاق الحكومي، اتخذ النظام السوري خطوة غير مسبوقة بالاستيلاء على أصول أغنى رجل في البلاد والمسؤول السابق في النظام، “رامي مخلوف”، في مايو/أيار 2020.

كما اتبعت الإمارات نهجًا أكثر دبلوماسية تجاه سوريا بعد أن دعمت في البداية قوات المعارضة. وفي مارس/آذار 2021، دعت أبوظبي وحليفتها مصر إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، في خطوة رمزية تهدف إلى تخفيف عزلة النظام.

ومع تراجع الانتصارات في ساحة المعركة، تحول التركيز الأكبر للنظام السوري من استعادة السيطرة على الأراضي إلى دعم الاقتصاد. وبعد الأزمة الروسية التركية في أوائل عام 2020 في إدلب، ترسخت الخطوط الأمامية في شمال غربي سوريا المحمي من قبل تركيا والشمال الشرقي المحمي من قبل الولايات المتحدة.

كما لم تظهر إدارة “بايدن” الجديدة اهتماما ملحوظا بسوريا، فيما خفت حدة التوترات بين روسيا وتركيا في سوريا؛ حيث يسعى كلا البلدين إلى التمسك باتفاق وقف إطلاق النار المبرم في مارس/آذار 2020 لمنع مواجهة كبيرة أخرى.

فيما يعتمد النظام السوري على الدعم الروسي في معظم عملياته العسكرية الكبرى. لكن يبدو أن روسيا  تتجنب حاليا المعارك الكبرى وتركز على صراعات بالوكالة محدودة النطاق في إدلب.

وأضرت جائحة “كوفيد-19” بشدة بالنظام الصحي المنهك بالفعل، وأعلن النظام رسميا عن 1400 حالة وفاة مرتبطة بالفيروس. ومع ذلك، من المرجح أن يكون العدد الفعلي للوفيات أعلى من ذلك بكثير، حيث توجد مؤشرات على استمرار انتشار الفيروس بسرعة في جميع أنحاء سوريا، وقد عانى كل من “الأسد” وزوجته من حالة خفيفة من الإصابة بالفيروس الشهر الماضي.

ووسط مخاوف متزايدة بشأن شرعيتها الاقتصادية، تسعى دمشق إلى إقامة علاقات أعمق وأوسع مع الإمارات لتأمين إمدادات المساعدات الإنسانية اللازمة. أما فاتورة إعادة الإعمار السورية، المقدرة من الأمم المتحدة بـ500 مليار دولار، فلا يمكن تغطيتها من قبل إيران أو روسيا وحدهما، حيث يمثل هذا المبلغ ثلث الناتج المحلي الإجمالي السنوي لروسيا، وأكثر من الاقتصاد الإيراني بالكامل.

وأدت الحاجة إلى تخفيف الأزمة الإنسانية الناجمة عن الوباء والحرب إلى زيادة استعداد النظام السوري لقبول الدعم من الإمارات، العدو السابق لدمشق والعدو الحالي لإيران المتحالفة مع سوريا.

وتعد المساعدات الإنسانية المعفاة من العقوبات إحدى الطرق القليلة التي يمكن لسوريا أن تسعى من خلالها لتحسين العلاقات مع القوى الاقتصادية مثل أبوظبي، التي ربما تشارك بشكل أعمق في إعادة الإعمار في المستقبل.

ومن المرجح أن تسعى الإمارات إلى استخدام مساعداتها الإنسانية لزيادة نفوذها في سوريا وتعويض مشاريع المساعدات الإيرانية المصممة لترسيخ النفوذ الإيراني في المجتمع السوري.

ويعد توسيع الوجود الأمني ​​الإيراني جزءا من استراتيجية طهران لترسيخ وجودها في سوريا على المدى الطويل، كما أنها تستخدم الوسائل الاقتصادية والإنسانية لمحاولة إقناع السوريين السنة باعتناق المذهب الشيعي في محاولة لربطهم دينيا بطهران. لكن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة أثرت على قدرة إيران على التأثير على سوريا من خلال هذه التكتيكات.

وتشعر دمشق بالحاجة الماسة للحصول على المساعدات خلال “كوفيد-19” لدرجة أنها نفذت صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل لإجبار إسرائيل على دفع فاتورة شحنات اللقاح إلى سوريا في فبراير/شباط 2021. ووافق نظام “الأسد” على هذه الصفقة بالرغم من حرب إسرائيل السرية ضد القوات الإيرانية في سوريا والتي تسببت في سقوط العديد من الضحايا السوريين.

وقد تدفع المساعدات الإماراتية المتزايدة إيران إلى مزيد من التدخل المباشر في السياسة الداخلية السورية. لكن الإمارات في وضع أفضل لتحسين المستشفيات السورية، فضلا عن توفير الغذاء ولقاحات “كوفيد-19”.

ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تحسين آراء السوريين تجاه الإماراتيين، وبالتالي تقليل الفرص المتاحة للإيرانيين لإصلاح العقد الاجتماعي السوري المنهار ببرامج المساعدة الإنسانية الخاصة بهم.

وقد ترد طهران على فقدان النفوذ من خلال تكثيف الجهود لتأمين موقعها السياسي في سوريا، وقد يشمل ذلك تجنيد السوريين بقوة أكبر في الميليشيات المدعومة من إيران، فضلا عن ترسيخ المذهب الشيعي في البلاد من خلال بناء المساجد والتحويل المذهبي للسوريين. وقد تثير مثل هذه الإجراءات مخاوف بشأن السيادة من قبل بعض النخب الحاكمة، ما يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل النظام.

وتبقى الجهود الإنسانية الإيرانية محدودة، مع تعرضها لأزمة “كوفيد-19” وحاجتها للقاحات في الداخل. لكن من خلال شبكتها الواسعة من الميليشيات والمساجد والأئمة، لا يزال بإمكان إيران ممارسة نفوذها الأيديولوجي والديني داخل سوريا التي تعاني من نقص الموارد.